قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  أن العقل يعرفه ضرورة، وفي القرآن آيات دالة على استقلال العقل بمعرفة وجوب شكر المنعم، ومنها هذه الآية أعني قوله: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٥}[الأنعام]، وبيان الاستدلال بها من وجهين:
  أحدهما: أنه قد ثبت أن اللام في لله للاستحقاق، وذلك يفيد أن الحمد حقه على الإطلاق أي قبل مجيء الشرع وبعده.
  الثاني: أنه لما أثبت الحمد لله أتبعه بالوصف برب العالمين وما بعده، وترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللاً به، وهذا يدل على أنه استحق الحمد لكونه رباً رحماناً رحيماً مالكاً لجزائهم، وهذه الأوصاف ثابتة له في جميع الأوقات، فثبت أنه يستحق الحمد قبل مجيء الشرع وبعده. فأما قوله: إن ما لم يعلم الإنسان بالنعمة يمتنع الشكر عليها، فمسلم إذ لا يجوز التكليف بما لا يعلم، لكن من أين له تقدير إمكان عدم علم العاقل بالنعمة وهو لا يخلو عنها طرفة عين، فإن أراد أنه لا يعلم كل نعمة كما يفيده كلامه في الوجه الأول مستنداً إلى قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤].
  فالجواب: أن الآية إنما تدل على عدم القدرة على إحصائها لا على عدم العلم بها جملة، والعلم الجملي كاف في وجوب الشكر بدليل أن الله تعالى وصف من لم يشكر على تلك النعم التي لا تحصى بأنه ظلوم كفار.
  والجواب عن الوجه الثاني: أنا لا نسلم أن الداعية من فعل الله،