قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعاً: «ما أنعم الله على عبده بنعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة وإن عظمت».
  قلت: وفضل الله واسع، ولا أدري ما الحامل للرازي على جلالته وغزارة علمه على مثل هذه الخرافات المخالفة للعقل، والشرع، واللغة، ولا سبب لذلك إلا ما قد نبهنا عليه مراراً من عدم إخلاص العمل لله، وتجريد النظر لمعرفة الحق. وبما قررنا ثبت أن الحمد مما يجوز الأمر به، وأن التكليف به ليس مما لا يطاق. وأما عدوله عن قوله: احمدوا الله إلى لفظ الحمد لله، فقد ذكر علماء المعاني أن العدول إلى الجملة الاسمية للدلالة على الثبوت والدوام، على أنه مقول على ألسنة العباد كما مر، ولهذا قيل: إن التقدير قولوا الحمد لله كما سيأتي تقريره، وعلى هذا فيكون وجه العدول إلى الجملة الاسمية للدلالة على الثبوت والدوام مع الاكتفاء بالأمر المقدر.
  فإن قيل: ما تقدم من الأخبار يدل على أنه يمكن الوفاء بشكر نعم الله تعالى، وهو خلاف ما هو مشهور بين العلماء من أن العبد لا يقدر على الوفاء بشكر الله تعالى على إنعامه، ولا يبعد الإجماع على هذا، ويدل عليه كلام أمير المؤمنين السابق وغيره، وعن بعضهم شعراً:
  سبحان من لو سجدنا بالجباه له ... على شبا الشوك والمحمي من الأبر
  لم نبلغ العشر من معشار نعمته ... ولا العشير ولا عشراً من العشر
  وقال الإمام أحمد بن سليمان #: اعلم أن العبد لا يقدر أن يبلغ غاية شكر الله كما لا يحصي عد نعم الله، ولا يتم ذلك لبشر كائناً من كان.