قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  والجواب: أن الأخبار خارجة مخرج الفرض والتقدير، والفائدة في ذلك بيان فضيلة الحمد، والمراد أنه لو قدر أن أحداً قابل جزئيات النعم بالحمد لله بأن تقول عند كل نعمة تحدث على انفرادها لكان قد أدى شكرها ولا شك أن هذا غير ممكن من البشر فإن النعم متكررة وقتاً بعد وقت لا يخلف عنها أحد طرفة عين، والمعلوم أن الإنسان قد لا يتذكر النعمة فضلاً عن الإتيان بالحمد عليها، مع أنه لو استمر هذا الذكر على لسانه لا يفتر لم يكن إلا وفاء بشكر نعمة القدرة على النطق به، ولعله لم يفِ بذلك(١) وتبقى سائر النعم المتجددة خالية عن مقابلة كل نعمة منها بحمد خاص بها انظر إلى تجدد نعمة لحظات البصر، وصحة البدن، وسلامة سائر الحواس وغير ذلك مما لا يمكن الإنسان مقابلة كل نعمة متجددة منه بحمد خاص لو دأب في ذلك ليله ونهاره.
  وقد قيل: إن الإنسان يتنفس في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نفس، فعلى هذا تكون نعم النفس في كل يوم وليلة أربعة وعشرين ألف نعمة، ولا شك أن الإنسان لا يقدر على مقابلة كل نفس بحمد، وإن فرض إمكان ذلك فالاشتغال به يكون مخلاً لمقابلة كل نعمة من سائر النعم بحمد.
  وعلى الجملة أن النعم لا تحصى، وإذا كنا غير قادرين على إحصائها
(١) لأن إقداره على النطق بالهمزة من الحمد لله نعمة وإقداره على النطق باللام بعدها نعمة أخرى وهكذا إلى آخر حرف. تمت فعلى هذا لا يكون الحمد إلا أداءً لشكر القدرة على النطق بحرف منه. تمت مؤلف.