مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 593 - الجزء 1

  حجة على من قد وجد الأبيض؛ إذ لا يجب أن يكون ما لم يره مثل ما قد رأى إلا بوجه جامع، فثبت أن سبب ضلالهم هو أنهم جمعوا بين الشاهد والغائب بلا رابطة، وأما قولهم إن المعتزلة ضلوا بقياسهم أفعال الله على أفعال خلقه.

  فالجواب: أنهم لا يضلون إلا لو قاسوا من دون علة جامعة، وأما مع وجود العلة فهو قياس صحيح، وتحقيقه أنهم إنما حكموا بقبح إرادة القبيح في الشاهد مثلاً لكونها إرادة له، فلو وجدت هذه العلة في الغائب كانت قبيحة؛ لأن العلة أينما وجدت وجب حكمها، وإلا خرجت عن كونها علة، ألا ترى أن الطبيب لو قال للعليل: اترك العسل الحلاوته، لفهمنا أن علة أمره بتركه هي الحلاوة، فلو أباح له السكر لكان مناقضاً في التعليل لأن الحلاوة ثابتة فيهما، وأما نسبتهم المعتزلة إلى الشرك بقولهم إنه لو فعله لكان سفيهاً، فجوابه: أن السفيه صفة يوصف بها من فعل السفاهة، وكذلك الظالم صفة لمن فعل الظلم، ولهذا لا يسمى من لا يفعل السفاهة سفيهاً، ولا العدل ظالماً، وهذا في اللغة العربية مشهور، فلو كان تعالى فاعلاً للسفاهة أو للظلم لوصف بأنه سفيه ظالم تعالى عن ذلك، كما يوصف بأنه عادل خالق لمّا فعل العدل والخلق ومن أجرى أدلة العقل، والشرع، واللغة على ما ينبغي إجراؤها عليه، ولم يخالفها، ولا ناقض بينها، فليس بمشرك، بل هو المسلم الجاري على سنن الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

  الاعتراض الثاني: أنكم لم تجعلوا العلة في ذلك إلا أنه يثبت الحكم