المسألة السابعة [استطراد لذكر الحسن والقبح العقليين]
  ولهم على ذلك شبه عقلية، وسمعية. أما العقلية فأحدها أنه قد وقع من الباري تعالى أفعال لو وقعت من الواحد منا لأنكرها العقلاء، ولحكموا بقبحها وسفه فاعلها، ذلك فهي مستحسنة من الله تعالى، فصح أنه لا يقبح من الله ما يقبح من غيره، وأنها إنما قبحت منا للنهي، وضربوا لذلك أمثلة:
  المثال الأول: إن الله تعالى كلف من علم أنه سيكفر، ولو أنه تركهم كالبهائم يأكلون، ويشربون، ويتلذذون لكان أحسن عند العقلاء من تكليفهم بما يوجب مخالفتهم لأمره، والإعراض عن ذكره والثناء عليه، بل ربما يوجب سبه ومنازعته في ربوبيته، ألا ترى أنه لو كان في الشاهد حكيم يحب الثناء عليه والطاعة له، ويكره الذم والعصيان لأمره، وكان له عبيد يعلم من حالهم أنه إذا تركهم مهملين اشتغلوا بلذاتهم، ولم يتفرغوا للثناء على سيدهم، فإن إهمالهم لا يحسن ولا يقبح، ثم إنه إن كان يعلم من حالهم أنه إذا كلفهم بالثناء والطاعة خالفوه، وشتموه، ونسبوه إلى كل رذيلة، ثم كلفهم والحال هذه، فإن العقلاء يذمونه على هذا التكليف، ويشيرون عليه بتركه، ويقولون: إن كنت تكره سماع القبيح فاتركهم مهملين، فإذا لم يقبل ما أشاروا به عليه نسبوه إلى السفه والجهل، فثبت أنه لا يقبح من الله ما يقبح من أحدنا.
  المثال الثاني: أن الواحد منا لو قال لآخر: إني أريد أن أنفعك بتعلم الكتابة لتصل بها إلى منافع عظيمة، ودرجات رفيعة، ولا غرض لي إلا نفعك وصلاحك؛ إذ لا نفع لي إن فعلت، ولا ضرر