قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  علي إن تركت، فعليك بتعلمها، ثم إن المأمور لم يفعل شيئاً، فأمر ذلك الآمر بحبسه، وضربه، وتحريقه بالنار لعدم امتثال أمره الذي قد عرضه لأجله على تلك المنافع، فإن كل عاقل يستقبح تعذيب الآمر للمأمور لعدم نفع نفسه، والله تعالى قد كلف عباده بالطاعة التي يتوصلون بها إلى النعيم الدائم، ثم أخبر أنهم إن لم ينفعوا أنفسهم عاقبهم أشد العقاب ولم يقبح منه.
  المثال الثالث: أن الحكيم الغني المالك لما لا يحصى من أنواع الملاذ من المطاعم وغيرها، وهو لا يمنعها من كثير من الحيوانات، ولا ينقصها ما أخذته منها لو كان له عبد محتاج، فسأل سيده أن يعطيه من ذلك ما يسد فاقته، فقال: لا أعطيك حتى تنقل كل يوم حجراً من هذا الجبل إلى هذا الجبل، فقال: ألك في هذا نفع؟ قال: لا، ولكني أريد أن أجعل ما أعطيك عوضاً عن هذا الفعل، فقال العبد: هذا يضرني، ولا ينفعك، وأنت قد تفضلت على غيري بأضعاف ما تعطيني، فقال: لا أعطيك حتى تفعل ما قلته، فإن المعلوم أن العقلاء يذمون هذا السيد، وينسبونه إلى العبث، والمعلوم أن الله تعالى قد كلف عباده بما لا نفع له فيه، ولا دفع ضرر عنه، بل هو ضرر محض على المكلفين، وقال: إنه لا يدخلهم الجنة حتى يؤدوا ما قد كلفهم مع أنواع المشاق، مع أنه قد تفضل بها على الأطفال والمجانين، ولم يقبح منه هذا التكليف.
  المثال الرابع: أن من قتل رجلاً له أطفال، فإنه يقبح منه، وكم يميت الله من الآباء الذين لهم من الأطفال ما تسكب لرحمتهم العبرات، وترق لرؤيتهم القلوب القاسية، ولم يقبح.