قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  قال #: وهذه قاعدة عظيمة ينبغي إمعان النظر فيها، وإمعان النظر فيها لا يكون بالمقدمات والنتائج، بل بمراجعة النفس، ونحن إذا راجعنا أنفسنا، وعلمنا أن العقل يستحسن إرشاد الضال، وإطعام الجائع وإن انتفى العلم بالثواب والعقاب، وكان المرشد لا يرجو مدحاً ولا نفعاً بأن يكون إحسانه إلى أخرس، أو أعمى، أو بهيمة لا مالك لها، وأن يكون الإحسان في مكان خال عن الناس حتى لا يرجو ذلك من الغير، فمن راجع نفسه في هذه الأمور فإنه يحصل له العلم الضروري بأن فعل ذلك عنده أرجح من تركه، وأن مجرد الأولوية انتفاع ذلك الغير، وإذا ثبت هذا في الشاهد ثبت مثله في الغائب.
  فإن قيل: إنما كان ذلك باعثاً على الإحسان؛ لأن المحسن يتصور أنه لو فعل به مثل ذلك لالتذ به وانتفع، فيصير لهذا التصور ملتذاً بالفعلفيكون باعثاً، ونظير ذلك أن العاشق يلتذ بتصور معشوقه ومواصلته حتى ربما حرك شهوته، فلولا هذا التصور في الشاهد لما رجح فعل الإحسان.
  قيل: إنا نراجع النفس مراجعة أخرى فنقول: لو قدرنا ذهول الخاطر عن هذا التصور عند الفعل، فإنا نعلم ضرورة أن فعل الإرشاد ونحوه أرجح من تركه، ولا مرجح له إلاكونه إحساناً مجرداً، ومن نازع في ذلك وأنكر رجحانه عند هذا التقدير حكمنا عليه بالعناد، وعلى رويته بالفساد، فثبت ما قلنا.
  الوجه الثالث: قال: لو فعل لغرض لم يخل إما أن يمكن حصوله