مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 644 - الجزء 1

  لأنه لا غرض في المشقة سوى الانتفاع، وهو ممكن من دونها، ولا قبح يلزم من التفضل به، فعلى هذا تقبح المشقة لكونها عبثاً. ومنها ما يكون عوضاً على ما يصيب المرء من الآلام، والنقائص وغير ذلك، وهذه الآلام ونحوها لا بد وأن يكون فيها غرض يتعلق بالتكليف، وهو اللطف، والاعتبار له، أو لغيره من المكلفين، ويعوضه الله من المنافع بما لو خير بينها وبين الألم لاختار الألم لأجل تلك المنافع العظيمة، ويكون المقصود هو اللطف، والاعتبار، وأما العوض فعلى وجه التبعية، ولكنه يكون مستحقاً، ولا يجوز الإيلام بمجرد العوض؛ لأنه كان يمكن الابتداء بمثله. ومنها ما لا يحسن الابتداء به، وهو الثواب المستحق على فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وقد مر الكلام عليه قريباً.

  ومما يدل على قبح تعظيم من لا يستحق التعظيم أن قبح السجود للأصنام إنما قبح لكونه تعظيم من لا يستحقه، وبهذا تعرف الفرق بين التكليف، وبين ما أوردوه في المثال من تكليف السيد عبده نقل الحجارة، وذلك أن التكليف تعريض على التعظيم الذي لا يجوز الابتداء به، وما في المثال من المنافع التي منعها السيد عبده إلا مع تحمل تلك المشقة ليس فيه ذلك التعريض، وإنما هو مجرد مشقة خالصة، فقبحت؛ لأنا قد بينا في المرتبة الأولى أن مثل هذا مما يحسن الابتداء به، وأن تحميل المشقة في مثله عبث، بل ظلم فتأمل. وأما ما ذكروه من التفضل على الأطفال ونحوهم فهو من المرتبة الثانية، أعني أنه على جهة العوض لا على جهة التعظيم، ولا تبلغ مبلغ الثواب