قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  بالنعيم الدائم، والوعيد بالعقاب الشديد، فكأنه جمع بينهم ليفعلوا القبيح وقواهم عليه، وأما الباري تعالى فقد نهى وأمر، ورغب وزجر، ووعد وتوعد، وجعل من الترغيب الداعي إلى الطاعة، والترهيب الصارف عن المعصية، بحيث يكون ذلك الترغيب والترهيب صارفاً عن القبيح مساوياً للداعي إليه، ولو أنه تعالى منعهم من التمكين من المعصية على وجه لا يدخل فعلها تحت إمكانهم، لكانوا ملجئين، والإلجاء ينافي التكليف؛ إذ من شرط التكليف التمكين من الفعل وضده.
  فإن قيل: لا نسلم أن الترغيب والترهيب الذي ذكرتم يدفع القبح، فإنا لو قدرنا في المثال المذكور أنه جمع بينهم، وقوى دواعي فعل القبيح، ووعد من تركه بالإثابة، ومن ارتكبه بالعقاب فإنه يقبح منه، وهذا شأن فعل الله بخلقه، وتكليفه لهم مع أنه لم يقبح منه.
  قيل: إنما قبح ذلك منا؛ لأنا لا نعلم قدر المشقة التي تلحقهم بمغالبة الشهوة حتى نعلم أنما أعطيناهم على الترك يكون قائماً مقام تلك المشقة؛ إذ لا سبيل لنا إلى ذلك، وإذا لم نعرف قدر الجزاء ومقابله فلا يؤمن أن نظلم المغالب جزاءه، فلم يحسن منا التخلية المذكورة ونحوها، بخلاف الباري تعالى فإنه لا يخفى عليه شيء، ولو قدرنا علم أحدنا كعلمه تعالى، وكان لنا من المنافع ما لا يحسن الابتداء به لم يقبح منا، كما لم يقبح منه تعالى لأنه تعريض على منافع لا تنال إلا بذلك، فكان إحساناً، فتأمل.