قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  واعلم أن هذا المثال وما شابهه إنما بني على ما يفيده ظاهر أحوالنا وأفعالنا من أنا لا نعرض الغير على المنفعة إلا لإرادة وقوع الانتفاع، وأنا إذا علمنا أنه لا يقع الانتفاع يعد ذلك الفعل عبثاً لخلوه عن الغرض؛ لأن المتعارف بيننا والمشهور أن الغرض وقوع الانتفاع لا التمكين منه، ولا شك أن التعريض والحال هذه يقبح لعدم الغرض، لكنا نقول: المعلوم أن أحدنا قد يعرض الغير على النفع لهذا الغرض، ولمجرد التمكين من النفع لكونه إحساناً، وهذا وجه صحيح للحسن، وأنا آتيك بمثال يمكن إجراء هذين الوجهين فيه، ويعلم بهما حسنه، وذلك أن الرجل الكريم قد يكرم الوافد إليه، وهو يريد وقوع الانتفاع منه بما أكرمه به، ويعلم أنه يقع الانتفاع، فهذا لا شك في حسنه، وقد يكرمه مع علمه بأنه لا ينتفع لغنائه، وعدم الداعي إلى الانتفاع، وإنما أراد عرض الطعام عليه مثلاً وتمكينه منه، والإحسان إليه بإظهار إكرامه، وهذا لا ينكر أحد حسنه، وهو مشاهد معلوم، وقد يكرمه لمجرد الإحسان، وحسن إظهار الإكرام مع علمه بأنه لا يقبل، ولا ينتفع، بل ربما فعل بذلك الطعام أفعال السفهاء، وربما ضر نفسه به كأن يلطم وجهه، أو نحو ذلك، ومع ذلك أن هذا المكرم يعلم بما يفعله الوافد بسبب الإكرام من السفاهة، وضر نفسه، لكنه لم يقصد ذلك، وإنما قصد أن يفعل ما يفعله المتكرمون من الإحسان لحسن الكرم، فإنه إذا قيل له: لم فعلت مع علمك بما يفعله هذا الوافد، فقال: قصدت فعل الإحسان، والتكرم، ولا حرج علي فيما فعل بنفسه مع كمال عقله، ومعرفته للحسن،