قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  والجواب من وجهين:
  أحدهما: أنا قد بينا فيما مر أن هذا مقول على ألسنة العباد، وأقمنا الدليل على ذلك، ويدل عليه أيضاً حديث أبي ميسرة، وقد مر في البسملة وفيه: «فلما خلا ناداه يا محمد قل: ﷽ الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين ...» الخبر.
  وأخرج ابن جرير عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد: «قل يا محمد الحمد لله» وإذا كان مقولاً على ألسنتهم فالأمر به لكونه شكراً، والشكر حق لله تعالى، فيحسن طلبه، وعلى هذا فلا حجة لهم في الآية.
  الوجه الثاني: أنا وإن سلمنا أن الله مدح به نفسه، فهو لا يدل على أنه يحسن من الله ما يقبح من غيره؛ لأن نهينا عن تزكية نفوسنا بالتقوى؛ لكونها أمراً باطناً لا يعلمه على حقيقته إلا الله تعالى، فربما وارتكب المزكي لنفسه قبيحاً لا يعلمه، فيكون حكمه لنفسه بالطهارة من كل ذنب حكماً على خلاف الواقع، وقد مر ما يدل على أنه لا يخلو بشر عن معصية ما حتى الأنبياء، فالمزكي لنفسه على الإطلاق، والحال هذه لا يأمن من ارتكاب القبيح بنفس التزكية فقبحت مطلقة في حقنا، وأما الباري تعالى فيجوز منه إطلاق مدح نفسه، ومدح غيره؛ لأنه عالم لذاته لا يكون المدح منه إلا على ما في نفس الأمر، وقد مر أنه لا يفعل القبيح لعلمه وغناه، فثبت أن وجه حسن مدحه لنفسه لتعريه عن وجوه القبح، وأن وجه القبح في حقنا