قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  على إظهاره على الكذاب لكان عاجزاً عن تصديق الصادق، وقدرته على تعجيز نفسه محال، فصح أنه تعالى لا يجوز عليه الكذب، فبطل الإلزام.
  قلنا: أما قولكم إنه صادق لذاته، فمبني على أن كلامه ذاتي أزلي كسائر صفاته تعالى، وسنبطله، ثم إنه يلزم أن يكون كاذباً لذاته، وأما قولكم إنه يلزم تعجيز نفسه إذ لا طريق إلى معرفة الصادق غير المعجز، فباطل لأنه يمكنه أن يعرفنا صدقهم بغير المعجز، وهو خلق العلم الضروري، فإن قالوا: إذا أبطلتم هذه الحجة فإنا نعدل إلى طريقة أخرى تمنع من تجويز إظهار المعجز على الكاذب لا تستطيعون دفعها، قد حررها الإمامان: الجويني، والرازي، وهي أن المعجزة تفيد العلم الضروري بصدق مدعي النبوة، بدليل أن من قدح فيها من الأمم فإنه إنما يقدح فيها لاعتقاده أنها ليست من الله تعالى، وإنما هي من باب الحيل، والطلسمات؛ إذ لم ينقل أن أحداً سلم أنها من فعل الله، ثم نازع في دلالتها على الصدق، ويستحيل ممن قطع بأنها من الله أن يبقى شاكاً في صدق المدعي، وإذا ثبت أنها تفيد العلم الضروري، فتجويز إظهار الله لها على يد الكاذب لا يقدح في الضروي، بدليل أن من غمض عينيه لحظة، ثم فتحهما فإنه يعلم أن الله قادر على أن يقلب ما بين يديه ذهباً في تلك الحال، ثم كلما فتح عينيه يجعلها كما كانت، وهذا التجويز لا يزيل عمن غمض عينيه بأنه لا يوجد ذلك، وهكذا القول في جميع العاديات.
  قالوا: فثبت أن تجويز انقلاب الأشياء عن مجاريها العادية لا يقدح في العلم الضروري ببقائها على مجاريها، وإذا صح ذلك بطل