قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  أفعال العبد؛ لأن انتفاعه به أعظم من سائر أفعاله لما يفضي به إليه من السعادة الدائمة، ثم إنا لا نسلم أنه أشرف أفعال العبد؛ لأنه أعظم نفعاً له، بل نقول: إنما كان أشرف أفعاله لما فيه من المطابقة المراد الله تعالى منه الذي يستحق به رضوانه، ولكونه أشرف الوسائل إلى الله كما قال علي #: إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله الإيمان. رواه في النهج، وإذا لم يكن أشرف الأفعال كلها، وإنما هو أشرف أفعال العبد، ولم يكن أشرفها إلا لأنه وسيلة إلى الله تعالى وقربة إليه لم يكن استحقاق فاعله للحمد أكثر ولا أولى، بل المستحق لذلك من شرف الإيمان لكونه وسيلة إليه، فلا يغرك زخرفة الرازي وتنميقه للألفاظ التي هي أجسام بلا أرواح، وإنما يستميل بها الأعمار، ويلبس بها على الجهال، ألا ترى أنه هنا أتى بعبارة يستعظم الجاهل القول بخلافها، وهي دعواه أن الإيمان أشرف الأفعال، ومع ذلك أنه أردف هذه العبارة بأعظم منها، وهي قوله: إن من كانت النعمة الصادرة منه ... إلخ، وهذه عبارة إنما أريد بها التلبيس والتشنيع، وإلا فلا طائل تحتها في هذا الموضع، فإن أراد أن الإيمان نعمة وهو أكمل النعم، فلو كان من العبد لكان استحقاقه للحمد أكثر وأولى.
  فجوابه: أن نقول إن أردت أنه لو كان من العبد لكان نعمة منه، فهذا باطل لأنك إن قلت: إن العبد يكون منعماً به على الله، فقد قدمنا أنه لا يجوز عليه النفع والإنعام نفع، وإن أردت أن العبد أنعم به على نفسه، فذلك باطل؛ لأن المنفعة لا تسمى نعمة إلا إذا أريد بها الغير، فثبت أن كون الإيمان من فعل العبد لا يستلزم أن يكون العبد مستحقاً لأكثر الحمد ولا أولى به؛ لأن إيمانه لا يكون نعمة منه،