قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  باعتبار ما يكون فيه من الجسم؛ لأنه عندهم جزء من الجسم لطيف لا ينقسم، فدل على أنه ليس في جهتين من الفراغ، وإلا لقبل القسمة، وكان في جهة واحدة لئلا يكون عدماً محضاً، وأما أن له أربع جهات منفصلة عنه ممتازة عنه على حد امتيازها من الجسم، فذلك مما لا ينكر، فظهر لك أن معنى قولهم غير شاغل للحيز من ثلاث جهات أنه إذا كان في جهة فوق مثلاً كان في جهة تحت ويمنة ويسرة فراغاً؛ إذ لا جزء معه فيها، وإلا لقبل القسمة إليه، والمعروف خلاف ذلك، قال: وكون في الأجسام ما لا يقبل القسمة لا ينكره العقل، وهو الذي يريدونه بالجوهر الفرد، فتأمل. والله أعلم.
  قلت: وقوله: إن له أربع جهات تبع فيه إثباتها(١) في قول الإمام القاسم بن محمد # في (الأساس): إنهم أثبتوا ما لا يعقل - وهو قولهم بالجوهر - غير مانع للحيز من ثلاث جهات دون الرابعة، وقد عرفت مما سبق أنهم يثبتون له ست جهات، وإنما اختلفوا: هل ثبوتها له لنفسه أو بانضمامه إلى غيره، مع أنهم لم يحدوه بأنه ما يشغل الحيز من جهة واحدة فقط، وإنما حدوه بما مر.
  الوجه الثاني من الوجوه التي يبطل بها ثبوت الجوهر: أنه لم يرد به عقل ولا سمع، بل القول به بدعة في الدين، ولا طريق إليه إلا التوهم لأقل ما يمكن أن ينقسم إليه الجسم؛ إذ العقل يقصر عن إدراك أجسام الملائكة وغيرهم من الخلق فضلا عن إدراك جزء لا يقبل القسمة.
(١) أي الجهات الأربع. تمت مؤلف.