مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 794 - الجزء 2

  والافتراق الآن جاز أن يكون مجتمعاً أو مفترقاً في كل زمان، ولما استحال عليه أن يكون مجتمعاً ومفترقاً دفعة واحدة استحال في كل وقت وأوان، ولما وجب كونه على أحدهما الآن وجب في كل وقت فثبت أنه لو جاز خلوه عنها في حال من الأحوال الجاز الآن، والمعلوم أنه يستحيل خلوه عنها الآن؛ إذ لو جاز ذلك لجاز تصديق من أخبر بوجود جسم ليس بمتحرك ولا ساكن، أو جسمين لا مجتمعين ولا مفترقين.

  والمعلوم أن العقلاء يكذبون من أخبر بوجود ذلك.

  فإن قيل: هذا كله مبني على أن الجسم لا يوجد إلا متحيزاً، وأن تحيزه غير متجدد، والمخالف لا يسلمه، وعلى هذا فله أن يقول: إنه قد تغير عليه غير مرور الزمان وهو التحيز فإنه قد كان غير متحيز عنده فلم يصح حلول الأكوان فيه، وبعد تحيزه حلته كما هو مذهبه، فما الدليل على أن الجسم لا يوجد إلا متحيزاً حتى يصح ما بنيتم عليه؟

  قيل: الدليل على ذلك أنه لا يجوز تحيزه لمعنى؛ لأنه لا يوجب تحيزه إلا إذا اختص به، ولا يختص به إلا إذا حله، ولا يحله إلا وهو متحيز، فلو لم يتحيز إلا لأجله لوقف كل واحد منهما على الآخر، وهو محال، ولا يصح أن يكون متحيزاً بالفاعل وإلا لصح أن يوجده غير متحيز؛ لأنه يتصرف بالاختيار، بل يصح منه أن يجعله سواداً بدلاً من التحيز، وأن يجمع بين كونه سواداً ومتحيزاً، وذلك يقتضي أنه لو طرأ عليه ضد أن ينفيه من وجه دون وجه.