قوله تعالى: {وإياك نستعين 5} من سورة الفاتحة
  بالإعانة الداعية فقد أبطلناها بالمعنى الذي بنيت عليه مذهبك؟ أم أردت التمكين من معرفة الحق فهو قولنا وهو لهم على سواء فيما يحتاج إليه، وإلا كان تكليفا بما لا يطاق، إلا أن الفائز أحسن النظر لنفسه دون الآخر أم أردت أنها غير هذين المعنيين، فما هو؟ ثم إنا لا نسلم حصر المعين على الباري تعالى، فإنا نعلم أن للأنبياء والعلماء والصالحين تأثيرًا في الإعانة على معرفة الحق، ولذا أمر الله بالتعاون على البر والتقوى، وبَعَثَ الرسل، وأوجب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ لو لم يكن لذلك تأثير لكان عبثًا.
  وأما قوله: لو كان المعين بشراً ... إلخ فمقصوده بعود الطلب فيه أنه يقال: هل فعل المرجح أم لا؟ إلى آخر ما يذكره في مثل هذا؛ وقد نبهنا على تقدم الجواب عليه.
  وبما قررنا يظهر لك أنه لا حجة لهم في الآية على الجبر. وقد استدل بها بعض العدلية على صحة مذهبنا في أفعال العباد؛ لأن الاستعانة لا تكون إلا إذا كان العبد متمكنا من أصل الفعل فيطلب الإعانة من الغير، وأما مع عدم القدرة عليه فلا فائدة للاستعانة، ألا ترى أنه لا يحسن من أحدنا طلب الإعانة على نتق الجبل وإحياء الميت، ولو فعل ذلك لقطعنا بجنونه.
  واعلم أن الله تعالى قد حث على الاستعانة في كتابه، وورد في السنة وخطب أمير المؤمنين # وكلام الأئمة والعلماء والصالحين وخطبهم ما يدل على الحث عليها قولاً وفعلاً.