قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم 6} من سورة الفاتحة
  عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم: أنهم كانوا يأخذون الظواهر وأوامر الله وأوامر رسوله، ويستدلون بها على الوجوب مجردة عن القرائن وهم القدوة في الدين، فإن قيل: ومن أين لكم أنهم حملوه على الوجوب بلا قرينة؟ قيل: لم ينقل عن أحد منهم نصب القرينة ولا المطالبة بها ولو كان لنقل؛ لأن مثل هذا مما يشتهر لعموم التكليف به.
  قالوا: لعل الاستدلال قد وقع بغير الأوامر المحكية أو بها، لكنها أوامر مخصوصة علموا كونها للوجوب.
  قلنا: خلاف الظاهر، بل المعلوم استنادهم إليها واستدلالهم بها لظهورها في الوجوب لا لخصوصياتها.
  قالوا: قد حملوا بعض الأوامر على الندب وغيره كما حملوا بعضها على الوجوب، فلستم بأن تقولوا: هي موضوعة للوجوب لأنهم قد حملوها عليه في مواضع بأولى منا بالحمل على الندب أو نحوه؛ لذلك قلنا: الظاهر حملهم لذلك على الوجوب في جميع موارده ولا يعدلون عنه إلا لقرينة.
  قالوا: هذا الدليل إنما يفيد الظن، ولو أفاد القطع لكونه قد شاع استدلالهم بذلك على الوجوب فدلالة ذلك الثابت قطعا على المراد ظنية، إذ لم ينصوا على أنه موضوع للوجوب كما قد اعترفتم بذلك.
  قلنا: بل يفيد القطع الحصول العلم باستنادهم إلى ظاهر الأمر في الاستدلال على الوجوب، والمقصود حصول العلم سواء كان بنص أو بغيره.