قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  فإن قيل: قد فسرتم النعمة بالمنفعة، فما معنى المنفعة؟
  قيل: معناها: اللذة والسرور أو ما يؤدي إليهما أو إلى أحدهما؛ فأما اللذة والسرور فنحو حك جلد الأجرب ووضع اللقمة الشهية في فم الغير وخلع الخلعة النفيسة عليه، وأما ما يؤدي إليهما فنحو: أن يدفع إليه دراهم يشتري بها ما شاء، وأما ما يؤدي إلى أحدهما فكأن يدله على كنز فإنه يؤدي إلى السرور(١). ولأجل هذا قيل: إن دفع الضرر معدود من المنافع وإن لم يكن نفعًا بنفسه لما كان مؤديا إلى النفع، وذلك كمن استوهب إنسانا قد قدم للقتل وخلصه منه فإنه يكون منعما عليه بذلك، وكذلك قيل في الحياة: إنها نفع وإن لم تكن نفعا في نفسها لكنها أصل في المنافع ومؤدية إليها فكانت نعمة.
  فإن قيل: قد أوضحتم حقيقة النعمة فما حقيقة المنعم؟
  قيل: هو فاعل النعمة، ولا يزاد في تفسيره على هذا؛ لأنه اسم مشتق من النعمة، والأسماء المشتقة لا يرجع في بيانها إلا إلى المشتق منه، فيقال: المحسن هو فاعل الإحسان، والضارب فاعل الضرب وهكذا سائرها.
  واعلم أن نعم الله تعالى لا تحصى كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤] ولا طريق لنا إلى معرفتها على التفصيل وإنما نعلمها جملة، وذلك بأن نعلم أن ما بنا من النعم أصولها وفروعها مبتدؤها ومسببها فهو من الله تعالى كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣].
(١) وأما اللذة فلا تحصل إلا عند استخراجه. تمت مؤلف.