قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  ومن الدلالة على ذلك ما في هذه السورة من قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨] إلى قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ٨٣}[النحل] وكتاب الله مشحون بالتذكير بالنعم والتحذير من إنكارها والحث على شكرها على تنوع الدلالة فمنها: ما يدل بالمطابقة، ومنها: ما يدل بالتضمن أو الالتزام أو التنبيه أو الإشارة، وأول آية منه البسملة فإنها متضمنة للاسم الشريف الدال على استجماع صفات الكمال التي منها: الإحسان إلى الخاص والعام، وإطلاق الرحمن الرحيم الدال على شمول الرحمة وعمومها، والرحمة من أعظم النعم وأجلها، ثم ثنى بقوله: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٢}[الصافات] وقد مر(١) الحمد فيها على نعمة التربية، وما دلت عليه الأوصاف التي بعدها من النعم، وسيأتي مزيد بسط في الدلالة في مواضعه من كتابنا هذا إن شاء الله.
  وأما الحجة على إثبات النعم الدينية، فلنا في ذلك مسلكان: عقلي، ونقلي.
  أما العقلي: فنقول: قد ثبت أن الله تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح ولا يرضى به، وإذا كان كذلك لم يجز منه تعذيب الكافر من دون استحقاق، وإذا لم يجز تعذيبه من دون استحقاق فلا بد من دلالته وهدايته وإرشاده إلى ما ينفعه وتحذيره مما يؤدي إلى عقابه وإهانته، وإلا كان تكليفا بما لا يعلم ولا يطاق وذلك قبيح لا يجوز منه تعالى
(١) في آخر المسألة الرابعة من مسائل الحمد لله. تمت مؤلف.