مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة

صفحة 976 - الجزء 2

  وقد هداه ودله بما ركب فيه من العقل الذي يميز به بين الحسن والقبيح، ويفهم به معنى خطاب الله وخطاب رسله، وقواه على الطاعة ومكنه منها، ودعاه إليها، ورغب بالثواب وزجر بالعقاب وكل ذلك نعم عظيمة.

  فإن قيل: وأي نعمة على الكافر بالتكليف ولولاه لما هلك واستوجب العذاب الدائم؟

  قيل: قد مر⁣(⁣١) الكلام على بيان حسنه بما لا مزيد عليه، وسيأتي في سورة البقرة زيادة تحقيق⁣(⁣٢) وما حسن فعله للغير فهو نعمة.

  وأما النقلي: فاعلم أن الله تعالى قد امتن علينا بالكتاب وسماه {هُدًى لِلنَّاسِ}⁣[البقرة: ١٨٥] وبالرسول وسماه: {مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ١٠٥}⁣[الإسراء] والامتنان لا يكون إلا بنعمة، وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧] وقال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ٧}⁣[الرعد] وقال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء] والآيات في ذلك كثيرة وكلها دالة على أن الله قد أنعم على كل مكلف بالهداية والدعاء على السنة الرسل، والترغيب والترهيب حتى لا تكون للكافر على الله حجة يوم القيامة كما قال تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}⁣[المائدة: ١٩] ولذا لا يمكنهم الإنكار عند سؤال خزنة جهنم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ٨ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ...}⁣[الملك: ٩] ... الآية، فثبت بما ذكرنا أن الله منعم على كل مكلف


(١) في الموضع الثالث من السابعة من مسائل الحمد. تمت مؤلف.

(٢) في سياق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} الآيتين. تمت مؤلف.