قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  احتجت المجبرة على نفي النعمة الدينية بالعقل والنقل. أما العقل فلأنه قد ثبت أن الله تعالى لا يجوز أن يفعل الفعل لغرض لما مر تقريره في [المسألة] السابعة من مسائل الحمد، وإذا ثبت أنه لا يفعل لغرض صح أنه لم يخلق الكافر إلا للنار، وحينئذ فأي نعمة الله عليه في باب الدين، إذ لو أنعم عليه بالهداية لكان مع المقربين في جنات النعيم. وأما النقل فآيات منها: قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] فإنه بدل من الصراط المستقيم المطلوب بقوله: {اهْدِنَا} فلو كان على الكفار نعمة لزم طلب صراط الكفار، ومنها: قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}[آل عمران: ١٧٨].
  والجواب: أما الحجة العقلية فهي مبنية على أصل فاسد وهو نفي الحسن والقبح العقلي وعلى كونه تعالى يفعل الظلم وغيره من القبائح ويفعل لا لغرض، وكل ذلك باطل وقد مر إبطاله؛ ولأجل بنائهم على تلك الأصول الباطلة:
  قال السيد مانكديم: إن المجبرة مع تمسكهم بالجبر لا يمكنهم أن يعرفوا الله تعالى نعمة على أحد لا نعمة الدنيا ولا نعمة الدين؛ لتجويزهم أن يكون الله تعالى خلق الخلق لا لغرض أصلاً لا النفع ولا الضرر بل خلقهم عبثا تعالى عن ذلك، قال: وهذا يوجب عليهم أن لا يعرفوا الله تعالى إلهاً، وأنه تحق له العبادة، لأن العبادة هي النهاية في الخضوع والغاية في الشكر، والشكر إنما يستحق على النعمة، فإذا لم يمكن القوم أن يعرفوا كونه منعما أصلا كيف يمكنهم معرفة إلهيته