قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  واستحقاقه العبادة التي هي النهاية في الشكر؟!. وأما قولهم: أنه لم يخلق الكافر إلا للنار فباطل بل خلقهم لعبادته، وقد بينا حسن التكليف فيما سبق.
  وقال الإمام أحمد بن سليمان: اعلم أنه لما ثبت أن المنعم حكيم وثبت أنه لا يفعل قبيحا ثبت أن إظهار الحسن وإيجاده حسن، وإذا ثبت أن إيجاد الحسن حسن وثبت أن الله لا يفعل قبيحاً ثبت أن إيجاد الله للعالم حسن، ولما ثبت أن الله غني عن العالم ثبت أنه لم يخلقه لنفسه بل خلقه لعبادته نعمة منه وتفضلاً. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ ...}[الذاريات] الآية، فبين أنه لم يخلقهم له، وأخبر أنه غني عنهم، وكذلك هو غني عن عبادتهم، ونفعها لهم لا له. قال: فلما أمرهم بالعبادة وأعطاهم الاستطاعة عليها قبل وجوب الأمر ثم أثابهم عليها وضاعف لهم الثواب، صح أن التعبد نعمة وتفضل منه ابتدأ به عباده المكلفين.
  قلت: وقد سوى بين المؤمن والكافر في طلب العبادة التي يستحق بها الثواب وفي إعطاء الاستطاعة عليها والدعاء إليها بالترغيب والترهيب في الكتب المنزلة وعلى ألسنة الرسل، وكل هذه نعم دينية يستوي فيها المطيع والعاصي، وإنما اختلفوا في الجزاء لاختلافهم في القبول وعدمه، والقبول وعدمه أمر راجع إلى اختيارهم، فمن اختار الطاعة استحق جزاءها، ومن اختار المعصية استحق جزاءها، ولو سلبهم الاختيار لم يصح تكليفهم. وأما ما ذكروه من الاحتجاج بقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] فجوابه: أن دلالة