مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة

صفحة 997 - الجزء 2

  في الحوادث ما هو لطف وما هو مفسدة، وأن اللطفية والمفسدية لا اختيار للباري فيهما، أما الذي دل على ثبوت اللطف فمنه ما دل على ما هو من فعل الله، ومنه ما دل على ما هو من فعلنا فالأول قوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ...} الآية [التوبة: ١٢٦]، فأخبر تعالى أن غرضه بما يفتن به عباده من الامتحان بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس هو دعاؤهم إلى التوبة.

  والثاني قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}⁣[العنكبوت: ٤٥] فأخبر أن سبب وجوب الصلاة ما فيها من اللطف وهو الصرف عن الفحشاء والمنكره وأما دلالة هاتين الآيتين على أن اللطفية ليست بتأثير الله فلأنها لو كانت بتأثيره لم يجز منه أن يجعل لطفنا فيما يشق علينا مع إمكان حصوله في الملاذ، بل يجب عليه أن يجعل الألطاف كلها في الملاذ لا في المؤلمات. وأما الذي دل على أن في المحدثات ما هو مفسدة للعباد فآيات منها: قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}⁣[الشورى: ٢٧] فأخبر أن في بسط الرزق لعباده مفسدة، ودلت أيضًا على أن كون الفعل مفسدة لا يقف على اختيار المختار، بل هو كالذاتي إذ لو وقف على اختياره سبحانه وتعالى لجاز أن يبسط الرزق لكل العباد، ويجعل ذلك غير مفسدة فلا يصرفه عن بسطه صارف حينئذه ثم قال #: فهذه أدلة واضحة على ثبوت الألطاف والمفاسد، وعلى أن اللطفية والمفسدية كالحسن والقبح غير واقفين على اختيار مختار، وكل ذلك يبطل به ما زعم الخصم