مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة

صفحة 1010 - الجزء 2

  وإذا قيل: أليس الآيات التسع التي أنزلها الله تعالى لتدعو آل فرعون إلى الطاعة لم يحصل بها فعل ما كلفوه بل مجرد التقريب؟

  أجيب: بأنه لا يجب فيما أنزل بالمكلف أن يكون لطفا له، بل يصح أن يكون لطفاً لغيره، وقد دل الدليل على أن اللطف المقرب لا يجب فلا يفعله الله، فنقطع بأن تلك الآيات قد انتفع بها غير من نزلت به، كما في ما ينزل بالأطفال والبهائم ونحوه.

  قال #: هكذا قرر وفيه ما يقضي بأن ما لم يجب فعله من الألطاف لم يجز، وفيه نظر، فإن عدم الوجوب لا يمنع الجواز ولا يقتضي عدمه، فليتأمل.

  قلت: وظاهر مذهب الهادي # في اللطف⁣(⁣١) كمذهب قاضي القضاة لأنه قال: الهدى من الله هديان: هدى مبتدأ، وهدى مكافأة، فأما الهدى المبتدأ فقد هدى الله به البر والفاجر وهو العقل والرسول والكتاب، فمن أنصف عقله وصدق رسوله، وآمن بكتابه، وحلل حلاله، وحرم حرامه استوجب من الله الزيادة بالهدى الثاني، جزاء على عمله ومكافأة على فعله، كما قال ø: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}⁣[محمد] وقال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}⁣[مريم: ٧٦] ومن كابر عقله وكذب رسوله، ورد كتابه استوجب من الله الخذلان وتركه من التوفيق والتسديد، وأضله {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}⁣[الجاثية: ٢٣] وذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}⁣[الأنعام: ١٢٥] عن الهدى


(١) يعني أنه لا يجب اللطف المطلق ويجب ما عداه. تمت مؤلف.