الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[تقسيم الإمام علي بن أبي طالب لرواة الحديث]

صفحة 29 - الجزء 1

  وكذباً، وناسخاً و منسوخاً، وعأماً وخاصاً، ومحكماً و متشابهاً، وحفظاً ووهماً. وقد كُذِب على رسول الله ÷ على عهده حتي قأم خطيباً فقال: «من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأْ مقعده من النار». وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خأمس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام لا يتأَثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ÷ متعمداً، فَلَوْ عَلِمَ الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يُصَدِّقُوا قَوْلَه ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله ÷ رآه وسمع منه ولَقِفَ⁣(⁣١) عنه، فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله المنافقين بِمَا أخبرك به، ووصفهم بما وصفهم به لك، ثُمَّ بَقُوا بعد النبي ÷، فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولَّوهم الأعمال، وجعلوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدُّنْيَا، وإنما الناسُ مع الملوك والدنيا الاَّ من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

  ورجل: سمع من رسول الله ÷ له شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه يرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله ÷ فلو علم المسلمون أنه وَهَم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم أنه كذلك لرفضه.

  ورجل ثالث: سمع من رسول الله ÷ شيئاً يأمر به ثم نهى عنه، وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو يعلم أنه - منسوخ لرفضه. ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

  وآخر رابع: لم يكذب على الله ولا على رسول الله ÷ مبغضاً للكذب خوفاً من الله، وتعظيماً لرسول الله ÷، ولم يَهِم بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعأم، فوضع كل شيء موضعه، وعرف المتشابه و محكمه، وقد كان يكون من رسول الله ÷ الكلأم له وجهان؛ فكلأم خاص وكلأم عأم، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله ولا ما عنى به رسول الله ÷، فيحمله السأمع، ويوجهه على غير معرفة معناه وما قصد به وما خرج من أجله.


(١) لقِفَه كسمِعَة لَفْقاً ولَفَقَاناً محركة تناوله بسرعة ورجل ثَقْفٌ لَقْف، بالفتح و ككتف و أمير خفيف حاذق انتهى من القاموس.