(فصل)
(فَصْلٌ)
  قال الله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ٦٦}[الأنفال].
  في الجامع الكافي قال محمد اختلف أهل العلم في عدة ما يجب التغيير به إذا كثر العدو، فقال قوم: لا يجب حتى يكونوا أهل العدل على النصف من أهل البغي. واستدل بقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ}[الأنفال: ٦٦] الآية.
  وفيه: وبلغنا عن علي سلام الله عليه أنه قال: لن يغلب عشرة ألاف من قلة. قلت: بمعنى إذا صاروا عشرة آلاف كفوا في التغيير.
  وأخرج البخاري عن ابن عباس أنها لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: ٦٥] كتب الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ولا عشرون من مأتين ثم نزلت {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}[الأنفال: ٦٦] فكتب لا يقر مائة من ماتين.
  وفي رواية لأبي داوود قال لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: ٦٥] شق ذلك على المسلمين فنزل {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦] الآية قال: لما خفف الله عليهم من العدة نقص عنهم من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
  دل ما في الآية والخبر على أنه يجب لقاء العدو إذا كان عدوهم ضعف عدد المسلمين وهو أن يكفي رجل المسلمين رجلين من المشركين. ولا يجوز لهم القرار إذا التقى الصفان إلا إذ اخشى المسلمون الاستيصال فاذا خشيوا جاز التنحي إلى فئة من المسلمين وإن بعدت لقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥].