الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(فصل) (والضيافة واجبة على أهل الوبر)

صفحة 397 - الجزء 3

  فلا يكون ذلك إسرافاً وإن كان على نفسه آثرهم وكيف يكون الإسراف كذلك أو يكون على غير ما قلنا من الإنفاق في معاصي الله سبحانه وتعالى ذلك، أو يجوز أن لا يحب الله من عباده من فعل ما قد حضه عليه وحمده فيه، وذلك قول الله في الأنصار، حين آثروا على أنفسهم، وآثروا بقُوتهم غيرهم، وأنزلوا الخصاصة بعيالهم وأولادهم، وأنفقوا أموالهم على من هاجر إليهم، فقال ø {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}⁣[الحشر] فحمدهم بالإنفاق في طاعته، وشكرهم على إدخال الخصاصة عليهم وعلى عيالهم، والإيثار بقوتهم لغيرهم، ولم يذم ذلك من فعلهم، وفي ذلك ما ينبي ويذكر آل محمد ÷ بالإيثار بقوتهم، والصبر على الجوع وإطعام المسكين واليتيم والأسير لوجه الله، فقال سبحانه {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ٩ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ١٠ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ١١ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ١٢} ثم نسق سبحانه فضائلهم في ذلك وما أعطاهم به وعليه في السورة إلى قوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ٢٣}⁣[الإنسان] ففي هذا ونحوه ما يبين والحمد لله للمستنير بنور الله أنه ليس من المسرفين من أنفق فيما حضه عليه رب العالمين، وما كان في إنفاقه من المتفضلين وبإخراجه من المحسنين في حكم أحكم الحاكمين، إلى آخر كلامه سلام الله عليه.

  قلت: فتأمل كلام إمام الهدى وقدوة الزاهدين وصفوه آل رسول الله ÷ المطهرين كيف الضيافة المشروعة التي تثبت بها الأجور، يوم البعث والنشور، ويستحق فاعلها الجنات والمرور، والروضات والحور والحبور، الذي لا انقطاع له في الآباد والدهور، وفَكِّر في هذا الزمان وأهله وكثير من المتبعين للشهوات، المنهمكين في اللذات، وفي ارتكاب الموبقات، كيف يقصدون بالضيافة من هو في غنا عنها، ويذودون عنها أهل الضرا والحاجة والمسكنة، والاضطرار والفاقه، فهم لا يرفعون رؤوسهم إلى ثواب ولا ينتبهون أن ما أنفقوه من مفاخر الضيافة، كالتراب، وما داروا به من أكواب الأشربة سراب، فلقد سمعنا في أيام الصبا عن مضيف ختم