(فصل)
  خرج من بطن أمه ميتا انه لا يحل اكله لكونه ميتا، وان خرج حيا لزم تذكيته، وهذا الذي ذهب إليه أكثر أئمة أهل البيت $.
  فان قلت قد روى في الخبر عن النبي ÷ «ذكاة الجنين ذكاة امه» كما آورده في الشفا وأصول الاحكام وغيرهما من مسانيد الحديث وأخرجه الترمذي عن أبي سعيد مرفوعاً بهذا اللفظ ورواه أبو داود عن جابر مرفوعا وفي رواية لأبي داود قال «قلنا يا رسول الله تنحر الناقة ونذبح البقرة والشاة والجنين في بطنها انلقيه أم نأكله فقال كلوه إن شئتم فان ذكاته ذكاة امه» قلت: هذا الحديث إن يكن قد تقدم نزول الآية عليه فهو مخصص فيحل الجنين، وان كان الخبر متقدماً كان منسوخاً وإن لم يعرف التاريخ فالترجيح للدليل القرآني وهو قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة: ٣] فيحرم الجنين الذي لا يذكى والحمد لله.
  وفي الأحكام ولو أن بعيراً أو بقرة سقطا في بير فلم يقدر أحد على اخراجهما حيين لوجب على أصحابهما أن يطلبوا منحر البعير ومذبح البقرة حتى ينحروه أو يذبحوها فان لم يقدروا على ذلك منهما طعنوهما حيث أمكن الطعن وسموا وأخرجوهما إرباً فأكلوا.
  في الشفا خبر وروى نافع قال قسم رسول الله ÷ مغنما بذي الحليفة فند بعير فنبعه رجل من المسلمين فضربه بسيف أو طعنه برمح فقتله، فقال رسول الله ÷ «ان لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فما ند منها فاصنعوا به هكذا» الأوابد: هي التي تأبدت أي توحشت كتوحش الوحوش نافرةً من الإنس وندّ بمعنى نفر.
  وقد اخرج البخاري ومسلم معنى هذه الرواية بزيادة عن رافع بن خديج ولفظها «قال: كنا مع رسول الله ÷ بذي الحليفة من تهامة فأصاب الناس جوع فاصابوا إبلاً وغنما وكان النبي ÷ في أخريات القوم فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي ÷ بالقدور فاكفيت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير فطلبوه فأعياهم وكان في القوم خيل يسيره فأهوى رجل بسهم فحبسه فقال: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم فاصنعوا به هكذا ...» إلى آخر الحديث المتقدم رواية الخمسة عن رافع بن خديج.