الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(باب القسامة)

صفحة 234 - الجزء 5

  القسامة كما أنفذها رسول الله ÷ في الاخبار المتقدمة إن رضي بذلك أو لياء الدم وإن لم يرضوا دفع إليهم من أموال الزكاة لئلا يبطل دم امرء مسلم أو يقال: تحمل الاخبار المتقدمة على تكامل شروط القسامة بأن يكون أهل المحلة منحصرين والأخبار المتأخرة على أن القتل وقع في محل لم ينحصر أهله وغير المنحصر أهله يحمل قسامته بيت المال. والذي ذكره في أصول الأحكام بعد ايراد معنى هذا الحديث إلى أن قال فقال النبي ÷ «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا لا نحلف على ما لا نعلم فقال: يبريكم اليهود بخمسين يمينا فقالوا: إنهم ليسوا بمسلمين. فوداه النبي ÷ من عنده». فاستدل أي الشافعي بهذا الخبر أنه ابتدى بيمين المدعين ولا دليل له فيه لأنه استفهام، والاستفهام لا يفيد حكما بظاهره بل يحتمل ان يكون للانكار كما قال تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}⁣[فصلت: ٩] وقال تعالى {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١}⁣[النمل].

  وأيضا فإن حديث سهل قد طعن فيه. روى محمد بن اسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب وحلف بالله انما قال سهل باطل. وفي أصول الأحكام أيضا: وفي بعض الأخبار ما يدل على أن سهلا لم يكن مشاهدا للقصة فدل على ضعف خبره. وقد أخرج النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ابن أبي محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر، قال رسول الله ÷ «أقم شاهدين على من قتله أدفعه اليك برمته فقال: يا رسول الله ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال: فتحلف خمسين قسامة قال: يا رسول الله وكيف أحلف على ما لا اعلم فقال رسول الله ÷ فتستحلف منهم خمسين قسامة قال: يا رسول الله كيف تستحلفهم وهم يهود فقسم رسول الله ÷ ديته عليهم وأعانهم بنصفها».

  وأخرج أبو داود بسند جيد عن رجال من الأنصار أن النبي ÷ قال ليهود وبدأ بهم: «يخلف منكم خمسون رجلا فأبوا». فقال للأنصار: أتحلفون؟ فقالوا: أنحلف على الغيب يا رسول الله؟ فجعلها رسول الله ÷ دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم. قلت وتعليل الحكم بإيجاب الدية لوجوده بين أظهرهم هو الذي يردع أهل القرى عن الإقدام على من يخفى قتله من الأنام.