الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(فصل)

صفحة 250 - الجزء 5

(فَصْلٌ)

  قال الهادي # في الأحكام في وصية الصبي والمعتوه والمجنون: كل موصي بشيء من ماله فوصيته جائزة إلا أن يكون لا يعقل شيئاً مثل الصبي الصغير وابن الست والسبع وما دون العشر.

  ومثل المجنون الذي لا يفيق أصلا وكذلك المعتوه الذي لا يفيق فأما إن كان المعتوه والمجنون يفيقان في وقت فوصيتها في وقت إفاقتها جائزة.

  وفي الشفا اختلف علماؤنا $ في تحصيل مذهب يحيى # في وصية الصبي المميَّز إذا كان له عشر سنين هل تصح وصيته أم لا؟ فقال المؤيد بالله #: أن وصيته صحيحة تخريجا على قوله من أوصى بوصية في شيء من ماله فوصيته جائزة الخ الى أن قال: خبر وقول النبي ÷ «إن الله تعالى جعل الثلث في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم»، وهذا عام لم يفصل بين ابن العشر وغيره وأما من هو دون العشر فهو مخصوص بالإجماع ولأنه يجوز أن يكون قد لزمه التكليف فيما بينه وبين الله إذا كان مميزا فلا يمنع من الانتفاع بماله.

  قلت وقد جعل للتمييز الكامل حكم صحيح نافذ في المعاملات من الصبي المميز المأذون فيجرى الحكم في وصيته كذلك والله أعلم. ولأن كمال التمييز هو الذي توجه به الخطاب إلى العبد المخاطب لقول الله تعالى {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٧}⁣[البقرة] كما تقدم في مواضع من الاعتصام. وفي الموطأ عن عمرو بن سليم الزرقي قال: قيل لعمر بن الخطاب ان هنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان وورثته بالشام وهو ذو مال وليس هاهنا الا ابنة عم فقال عمر: فليوص بها فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم. فقال: عمرو بن سليم فبيع ذلك المال بثلاثين ألف درهم.

  وفي رواية الموطأ أيضا: عن أبي بكر بن حزم أن غلاما من غسان حضرته الوفاة بالمدينة وورثته بالشام فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقيل له: إن فلانا يموت أفيوصي؟ قال فليوصي. قال: وكان الغلام ابن عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة فأوصى ببير جشم فباعها بثلاثين ألف درهم.