الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(باب الهجرة)

صفحة 548 - الجزء 5

  يُهَاجِرُوا}⁣[الأنفال: ٧٢] والعدو يعم الكفار وأهل الطغيان والبغاة والمنافقين انتهى وقال الله في وصف المنافقين {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}⁣[المنافقون: ٤] فعرفت وجوب الهجرة عن دار الكفر والفسق لعموم هذه الأدلة والأخذ بالأحوط في الدين في هذه الدنيا الدنية الجلية.

  وقال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد # في قوله ÷ «لا هجرة بعد الفتح» أنهم حذفوا الزيادة يعني من قال: بعدم وجوب الهجرة وهي تدل على قولنا لأن لفظ الخبر عن ابن عباس ® قال «قال رسول الله ÷: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» أخرجه بزياده: البخاري ومسلم. ومن كان بين العدو فيبعد منه الجهاد. ومما يزيده وضوحاً ما رواه في الثمرات عن النبي ÷ «من فر بدينه من أرض إلى أرض لو كان شبرا من أرض استوجبت له الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد» وروى أنه ÷ بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة أي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}⁣[النساء: ٩٧] الآية فقال جندب بن ضمرة بن جندب لبنيه: احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لا آهتدي الطريق والله لا أبيت بمكة فحملوه على سرير متوجهين به المدينة وقد كان شيخاً كبيراً فمات بالتنعيم.

  وما أخرجه النسائي عن عبد الله بن السعدي قال «وفدنا على رسول الله ÷ كلنا نطلبه حاجة قال وكنت آخرهم دخولا على رسول الله ÷ فقلت: يا رسول الله إني تركت مَنْ خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت. قال لن تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار».

  وأخرج أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «قال رجل يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال أن تهجر ما كره ربك» وقال رسول الله ÷ «الهجرة هجرتان هجرة الحاضر وهجرة البادي فيُجيب اذا دعى ويطيع إذا أمر وأما الحاضر فهو أعظمهما بلية وأعظمهما أجرا».

  إذا عرفت هذا فأعلم أنه من حُمِل على فعل معصية وجبت عليه الهجرة إجماعا بين علماء الإسلام كافة وكذلك مع أمر الامام بالهجرة فتجب إجماعا.