الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(باب الهجرة)

صفحة 549 - الجزء 5

  ومن جملة المعاصي الموجبة للهجرة اعانة الظالمين سلاطين الجور بالغارة معهم

  وتسليم المال إليهم بالقسر أو الرضا فإذا حصل مع الشخص أحدها أو خاف صدور ذلك منه وجب عليه الإنتقال لقوله تعالى {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ١٤٠}⁣[النساء] وقدّ تقدم مما يقتضي حظر المساكنة للظلمة من الآيات الصريحة والسنة الصحيحة وما يحصل القطع بتحريم المساكنة للظلمة والفسقة الخونة وقد روى الهادي # في الأحكام عن النبي ÷ أنه قال «المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى صلى الله عليه».

  وأخرج الطبراني في الكبير عن معاذ قال «قال رسول الله ÷: ثلاث من فعلهمن فقد أجرم من عقد لوآً في غير حق أو عق والديه أو مشى مع ظالم لينصره». وقد قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}⁣[آل عمران: ١١٨] في الثمرات: قيل: نزلت في قوم كانوا يصافون المنافقين ويخالطونهم.

  وفي التصفية للامام يحيى بن حمزة # في ذكر العزلة قوله ÷ لعامر الجهني وقد قال له: «ما النجاة؟ فقال له: ليسعك بيتك وأمسك عليك لسانك وابك على خطيتك» وقال ÷ «لما قيل له من أفضل الناس؟ قال: مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وما له. قيل: ومن؟ قال رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره» وقال ÷ «ألا أنبئيكم بخير الناس وأشار بيده نحو المغرب وقال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يُغير أو يغار عليه: الا أنبئكم بخير الناس؟ وأشار بيده نحو الحجاز: رجل في غنمه أو بقره يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعلم حق الله في ماله اعتزل شرور الناس».

  فإذا كان هذا مستحب في اعتزال شرور الناس على العموم فما شأن من لم يعتزل الظالمين ويهاجر في سبيل رب العالمين وما يفيده اعتذاره بقوله {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}⁣[النساء: ٩٧] فقد توعد في ترك المهاجرة إلى الله تعالى بقوله {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ٩٧}⁣[النساء].