الاعتصام بحبل المتين،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

(باب الضالة واللقطة واللقيط)

صفحة 313 - الجزء 4

  قلت ويعارض الأخبار في وجوب احتباسها وفي كراهية إيواء الضالة بالنظر إلى من يعرف من نفسه القيام بواجب الحفظ للملتقط والتعريف به فهذا هو الذي يتوجه عليه الالتقاط ومن يعرف من نفسه التفريط لسقوط الهمة عن القيام بذلك يتوجه عليه الترك لعل الله يهيأ للقط من يقوم بذلك والله أعلم. وفي أصول الأحكام: خبر وعن العياض بن حماد المجاشعي عن النبي ÷ «أنه سئل عن الضالة؟ فقال عرفها حولاً فإن وجدت صاحبها وإلا فهي مال الله» وفيه: خبر وفي بعض الأخبار عن أبي أنه قال: وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت رسول الله ÷ فقال: «عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم اتيته الثانية فقال: عرفها حولا ثم اتيته الثالثة فقال: عرفها».

  دل ان تعريف الضالة ليس له حد محدود وانها لا تملك الضالة على أي وجه كان وفي الجامع الكافي على قول محمد: إذا التقط لقطة فانه يعرفها فإن لم يأت صاحبها فهو بالخيار إن شاء بقاها عنده أبداً فإذا حضر الموت أوصى بها غيره وأعلمه سبيلها وإذا وجد رجل بدنة فعرفها إلى يوم النحر فلم يجد صاحبها فنحرها وأكل وأطعم فهو عندي ضامن فإذا وجد صاحبها خيره بين الأجر والضمان للقيطة.

  هذا كلام الجامع وأصول الأحكام اقتضى ما ذكر، لكنه قد جاء الحديث «فإن لم تجد من يعرفها فاستنفع بها» قالوا: جاء الحديث معارض لقوله «ولتكن عندك وديعة فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه» والمراد فاستنفع بها: المراد أنه يحصل له الأجر ويكسبه وينتفع بسبب خلطها. وقد دل قوله فأدها إليه على أنه لا يجوز إتلافها إذ الأداء لا يكون إلا مع بقا عينها. مع كون الحديثين متعارضين أحدهما حاظر، والآخر مبيح، والحاظر أولى بالعمل. مع أنه قد اختلفت الألفاظ في الأخبار المروية بعضها «فشأنك بها» وبعضها «فانتفع بها» وفي بعضها «كُلْها». وإذا اختلفت ألفاظ الروايات: فيمكن أن يكون كل روي الخبر بالمعنى على الذي تصوره.

  هذا معنى ما تأوله الاصحاب من العلماء المتبعين لأهل البيت $.

  وأخرج البخاري ومسلم عن يزيد مولى المنبعث أنه سمع زيد بن خالد يقول «سئل رسول الله ÷ عن لقطة الذهب أو الورق؟ فقال: اعرف وكاها وعفاصها ثم سنة فها فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء صاحبها يوماً من