(باب) (في من يحرم نكاحه)
  عن أحمد بن عامر الواسطي عن أبيه عن جده عن محمد بن عبد الله النفس الزكية في هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] قال: نسختها {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١] نسخها الله بهذه، وبقوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة: ١٠] انتهى.
  وفيه بسنده عن ابن عباس أنه قال تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: ٥١].
  وأخرج ابن ماجة عن ثوبان في طرف من حديث فقال: يا رسول الله: أي المال نتخذ؟ قال: ليتخذ أحدكم قلباً شاكرا، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة». والأمر يقتضي الوجوب أن تكون مؤمنة. وباللفظ هذا رواه في جامع آل محمد ÷.
  والمخالف في جواز ذلك استدل بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥]. قلنا: اليهودية والنصرانية يطلق عليهما اسم الشرك بما تقدم ذلت من الأدلة، وبقوله تعالى في سورة التوبة في آخر الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ}[التوبة: ٣١] الى قوله سبحانه {عَمَّا يُشْرِكُونَ ٣١}[التوبة].
  قالوا غير أن قال الله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}[البينة: ١] والآية الاولى مصرحة بالجواز. قلنا: ما تقدم من الآيات حجة في النهي عن جواز ذلك قاضياً بالتحريم.
  ووردت الأخبار بأن آية المائدة منسوخة بآية البقرة. قالوا عمل قالوا عمل بعض الصحابة يدل على عدم النسخ. قلنا: لا يدل على ذلك لاحتمال الجهل به سلمنا فتتأول الآية بأنه أراد أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم كانوا يتكرهون مناكحتهم فسماهم باسم ما كانوا عليه. وقد ورد مثل هذا نحو قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}[البقرة: ١٢١] وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ}[الأنعام: ٢٠] الآية.