من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

أسباب الاختلاف

صفحة 208 - الجزء 3

  قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}⁣[هود]، أخبر الله تعالى أنه لا يرتفع الخلاف في الدين بين البشر إلى يوم القيامة.

  تستدل المجبرة من هذه الآية أن الله تعالى يريد الاختلاف ويشاؤه، والزيدية تقول: ليست الإشارة راجعة إلى الاختلاف كما توهمته المجبرة، بل راجعة إلى الرحمة، أي: وللرحمة خلقهم؛ لأن الرحمة أقرب، وهذا هو الظاهر.

  وأرى أنه يصح رجوع الإشارة إلى الاختلاف، ويكون المعنى: أن الله تعالى خلقهم لغرض أن يكونوا مختارين فيما كلفوا به من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فالله تعالى قد شاء وأراد أن يختار المكلف أي الطريقين، وإذا كان المكلفون كذلك فلا بد من حصول الاختلاف بين المكلفين؛ لاختلاف أهويتهم وأغراضهم، ولاختلافهم في الذكاء والفطنة.

  فيكون معنى {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي: وللتكليف الذي من شأنه حصول الاختلاف خلقهم، ويكون من المجاز المرسل، وعلاقته إطلاق اسم المسبَّب على السبب.

  والقرينة الدالة على هذا المجاز قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات]، فأكد تعالى هنا بالحصر والقصر على أنه ما خلق الجن والإنس لأي غرض من الأغراض إلا لغرض هو أن يعبدوه، فنفى في هذه الآية نفيًا مؤكدًا أنه ما خلقهم للاختلاف ولا لغيره، وأنه إنما خلقهم لعبادته.

أسباب الاختلاف

  الاختلاف ناشئ عن طبائع البشر، فبعض الاختلاف ينتج عن اختلاف النظر والرأي والتفكير، وبعضه ناشئ عن اختلاف ميول الأهواء.

  وهذا الاختلاف عام فيما يرجع إلى أمور الدنيا وفيما يرجع إلى أمور الدين، وهناك أسباب من شأنها أن تربط الناس بعضهم ببعض وتجمعهم، وهي:

  ١ - مصالح مشتركة.

  ٢ - عدو مشترك.