كتاب التوحيد
[أوضح الأدلة عند العقل على حدوث العالم]
  - الأدلة التي يستدل بها المتكلمون على حدوث العالم كدليل الإمكان، ودليل الأعراض أدلة غير كافية لإقناع العقل لما فيها من الغموض.
  - وأجلى الأدلة عند العقل هو دليل التعلق؛ فإن العقل يجزم بأنه لا بد للفعل من فاعل يحدثه ويتعلق به.
  - وأوضح الأدلة عند العقل هو فيما يدرك حدوثه بعد أن لم يكن مثل: نزول الأمطار، وإنشاء السحاب وخلق الإنسان والحيوانات، ونحو ذلك من الحوادث التي لم تكن ثم كانت، وقد احتج الله تعالى بمثل ذلك في كتابه الكريم: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ٦٨ ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ٦٩}[الواقعة].
  - وإنما كان ذلك أوضح عند العقل لأنه لا يحتاج إلى النظر في حدوثه.
  - أما السماء والأرض في الجملة فيحتاج أولاً إلى النظر هل هي حادثة أم قديمة، فلا يتوصل العقل إلى الاقتناع بحدوثها إلا بعد عناء كبير، ثم ينظر ثانياً في محدثها، أما الحوادث التي ذكرنا فلا تحتاج إلا إلى النظر في محدثها؛ لأن حدوثها مشاهد محسوس.
  - ولغموض الأدلة على حدوث العالم قال بعض الفلاسفة: إن العالم قديم.
  والجواب عليهم أن نقول:
  ١ - المراد بالعالم هو ما نشاهده من الأرض والتراب والجبال والأحجار ومياه البحار، والهواء والشمس والقمر والنجوم، والفضاء الواسع الذي تسبح فيه الكواكب، هذا هو ما يعرفه الإنسان من معنى العالم.
  ٢ - كل ما ذكر في معنى العالم فإنه مسخر لمصلحة الإنسان، ولولا ذلك لما تمت حياة الإنسان مما يدل على أن وراء ذلك إرادة حكيمة دبرت ذلك.
  ٣ - أن الأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب في حركة مستمرة، فكل واحد من ذلك يسبح في الفضاء، ويسير بنظام دقيق وسرعة حكيمة، فلا بد حينئذ من فاعل يفعل ذلك.