من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب المنزلة بين المنزلتين

صفحة 118 - الجزء 3

كتاب المنزلة بين المنزلتين

[الحسنات والسيئات]

  سؤال: ذكر الله تعالى أن الحسنة بعشر أمثالها، وأن السيئة بمثلها في قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ...}⁣[الأنعام: ١٦٠]، وقد ثبت أن جزاء العاصي بسبب معصيته الخلود في النار إن لم يتب، وظاهر الآية الإخبار عن فضل الله ورحمته بعباده فلذلك جعل ثواب الحسنة عشر أمثالها، وجعل جزاء السيئة سيئة واحدة.

  والمطلوب بيان أن الخلود في النار مثل السيئة، وبيان فضل الله ورحمته في ذلك؟

  الجواب والله الموفق والمعين: يمكن أن يراد بذلك صغائر الذنوب التي لا توجب لصاحبها الخلود في النار، فأما المؤمنون فيكفرها الله تعالى بفعلهم الطاعات واجتنابهم الكبائر، وأما غيرهم فيجازون عليها بمثلها يوم القيامة، ثم ينقطع عنهم عذابها، ثم يخلدون في النار بكفرهم بالله واقترافهم كبائر الإثم والفواحش، وبتكبرهم على الله وعلى رسوله وكتابه.

  وعلى هذا ففضل الله ورحمته واضح، أما في جزاء الحسنة فبلا شك، وأما في جزاء السيئة فلأنه لا يجازي مقترف الصغيرة من الكافرين والفاسقين إلا بقدرها ثم ينقطع عذابها، ثم يبقى مخلداً في نار جهنم بكفره وفسقه.

  وأما في حق المؤمن فإنها تكتب عليه الصغيرة سيئة، ولكن الله تعالى لسعة رحمته ومغفرته يغفرها ويتجاوز عنها يوم القيامة بسبب اجتنابه لكبائر الإثم والفواحش، وبأدائه لفرائض الرحمن تبارك وتعالى، ففضل الله في حق المؤمن أوضح وأبين، قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}⁣[النجم: ٣٢]، وقال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}⁣[هود: ١١٤] ... إلى غير ذلك.