من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[رجل اشترى من المفلس سيارة بدل ما نقص من سلعته]

صفحة 404 - الجزء 2

[حكم المفلس]

  في أصول الأحكام: وروي أن غرماء معاذ التمسوا معاذاً من رسول الله ÷ ليسلمه إليهم، فقال بعدما باع عليه ماله: «ليس لكم إلا ذلك» وفي الحاشية أخرجه المؤيد بالله في شرح التجريد، ومسلم، وابن حبان، والبيهقي، وأبو داود، والترمذي، وذكر له مصادر أخرى غير ذلك.

  وفي رواية: «خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك» نفس المصادر.

  في هذا الحديث دلالة على أن غرماء المفلس ليس لهم إلا ما وجدوا، وما تبقى لهم من الديون عند المفلس قد سقطت، فإذا أيسر المفلس بعد ذلك فليس لهم حق في مطالبته؛ للحصر والقصر الوارد في الحديث.

  فإن قيل: قد قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}⁣[البقرة ٢٨٠]، مما يدل على عدم سقوط الدين بالإفلاس.

  قلنا: الحديث خاص بالمفلس، والآية عامة، فتخص الآية بالحديث، جمعاً بين الأدلة.

  والحديث صحيح؛ لموافقته للقرآن وللعدل والحق، وذلك أن غرماء معاذ لما ألَحُّوا في طلب الوفاء وضيقوا ورفعوا معاذاً إلى النبي ÷ باع النبي ÷ جميع ماله وأعطاهم، وبقيت لهم بقايا من ديونهم، فكأنهم رفعوا رؤوسهم إلى النبي ÷ يسألونه عن بقية ديونهم فقال لهم: «ليس لكم إلا ذلك».

  فحكم النبي ÷ بأداء جميع ماله وباعه عليه وسلمه لغرمائه، فكان ذلك منتهى ما عند معاذ من الوسع والطاقة، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة ٢٨٦]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق ٧].

  نعم، ولو أن غرماء معاذ تساهلوا ولم يتعاسروا عليه حتى ألجأوه إلى المحاكمة لكان لهم أن يطالبوه في وقت إيساره وغناه بجميع ديونهم.