من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب التوحيد

صفحة 66 - الجزء 3

  والذي ينافي التكليف هو نحو ما تقوله المجبرة من أن المكلف مجبور على فعل الشر بمعنى أن المكلف مسلوب الاختيار لا قدرة له على فعل ما كلف به.

  وهذا المذهب باطل بضرورة الوجدان، فإن المكلف يجد من نفسه القدرة على الاختيار لأي الفعلين، وإرادة أي الضدين.

صراع الطبيعتين

  لطبيعة الشر جنود وأنصار، ولطبيعة الخير جنود وأنصار؛ فطبيعة الشر يناصرها ويشجعها الهوى وشهوات النفس وغرائزها البهيمية، ثم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

  وطبيعة الخير يشايعها ويناصرها فطر العقول الرفيعة التي تدعو إلى السمو بالإنسان، وتزكيته وطهارته والتحليق به مع الأرواح العلوية، ثم دعوة الله على ألسنة رسله وأنبيائه À، وعلى ألسنة أوليائه الصالحين.

  فتتصارع هاتان الطبيعتان في نفس المكلف، كل واحدة منهما تريد أن تسيطر على المكلف، وتستولي عليه وتستبد به. والمكلف يجد هذا الصراع في نفسه، ويعلم علم اليقين ماهية كل من الطبيعتين، وما تؤدي إليه كل واحدة منهما، وعاقبة أمرهما، وحسن طبيعة الخير وقبح طبيعة الشر.

  ولا سلطان لأي من هاتين الطبيعتين على المكلف، وإنما منتهى القوة عندهما هي الدعوة والتزيين والتحسين، وعرض ما عند كل واحدة منهما على المكلف، ثم المكلف بعد العرض عليه له حرية الاختيار من دون أي ضغط؛ فإذا اختار المكلف دواعي الشر والشهوات والشيطان طرد دواعي الخير وأعرض عنها، وحاول أن يسد آذان قلبه عن سماعها، وأن يغمض أجفانه عن رؤيتها، وعند ذلك تسيطر طبيعة الشر وتستولي على الإنسان.

  والمكلف هو الذي أدخل نفسه تحت سلطان الشر، وجنّد نفسه للشهوات والغرائز البهيمية بمجرد اختياره، من دون أي ضغوط داخلية أو خارجية.