كتاب العدل
  أما النجارية فإنهم يقولون: إن الله تعالى مريد، ولكن ليس له تعالى صفة اسمها إرادة كما يقوله الأشعرية بل إنه تعالى عندهم يريد بذاته، وذلك كما نقول نحن الزيدية: إنه تعالى عالم بذاته وقادر بذاته وحي بذاته.
  وهذا أحد احتمالين، والاحتمال الثاني أن يكونوا - أي النجارية - عنوا بالباء السببية، وبناءً عليه فيكون مذهبهم موافقاً لمذهب الأشعرية؛ لأن الذي يظهر أن الأشعرية يريدون باللام التعليل فلا فرق إذاً على هذا.
  أما على الاحتمال الأول فالباء للآلة مثلها في كتبت بالقلم، والفرق في هذا الاحتمال ظاهر.
[معاني الإغواء في القرآن الكريم]
  سؤال: قال الله تعالى حكاية: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ... الآية}[هود] ظاهر هذه الآية يؤيد قول المجبرة أن الله يريد معاصي العباد ويشاؤها، وأنه هو الذي يفعلها، فكيف تقولون في تفسير هذه الآية؟
  الجواب والله الموفق: أن الغي قد يطلق في اللغة ويراد به العذاب والعقاب، وعليه قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ٩}[مريم ٥٩]، وقول الشاعر:
  فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
  فبناء على ذلك يكون معنى: «يريد أن يغويكم» هو: يريد أن يعذبكم ويعاقبكم، وعلى هذا التفسير لا يكون في الآية ما يؤيد كلام المجبرة.
  والدليل على أن المقصود هو ما ذكرنا من التفسير وأنه المتعين: سياق الآية فإن قبلها قوله تعالى: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣٢ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٣٣ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ...} الآية [هود]، ففيما ذكرنا من سياق الآية أن القوم قد استعجلوا عقاب الله تعالى، فأخبر نوح أن نصحه لا ينفع من يريد الله أن ينزل به العذاب والعقاب.