من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حديث: ... لأحببت أن أموت وأنا مملوك]

صفحة 390 - الجزء 3

  فإن قيل: الخروج من النار من خصائص هذه الأمة، كرامة من الله وفضل أعطاه إياهم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}⁣[المائدة: ٥٤].

  قلنا: كرامة الله تعالى وفضله على من يشاء من عباده ليست حصانة تمنع العقاب وسوء الحساب، فقد أكرم الله تعالى بني إسرائيل وفضلهم على العالمين، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين، وقد قص الله تعالى في كتابه الكريم كثيراً من ذلك، فلم يمنعهم ذلك من العقاب والخلود في النار، بل إن عقاب الله تعالى لأهل كرامته وفضله إذا عصوه أعظم وأشد من عقابه لمن سواهم؛ بدليل ما ذكر تعالى في سورة المائدة عمن أكرمه وفضله في قوله: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ١١٥}⁣[المائدة]، وما جاء في سورة الأحزاب عن أزواج النبي ÷ من أنه تعالى سوف يؤتي القانتة أجرها مرتين، وأنه تعالى سيضاعف للعاصية العذاب ضعفين.

  وبعد، فإنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه هوادة، فأحكامه في الأولين والآخرين مستوية، ناشئة عن رحمة عامة، وحكمة بالغة، وعلم واسع، وقد قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ١٤٧}⁣[النساء]، فالله سبحانه وتعالى يريد لجميع عباده الخير، ولا يريد لهم الشر بدليل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥].

[حديث: ... لأحببت أن أموت وأنا مملوك]

  في البخاري حديث أبي هريرة: للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك. اهـ

  قلت: ظاهر ذلك أنه من كلام النبي ÷، ولا ينبغي نسبة ذلك إليه ÷، وذلك أن في الرق والعبودية مذلة وامتهان وسخرية، والنبي ÷ لا يتمنى ذلك ولا يحبه، وكذلك سائر العقلاء، وقد قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}⁣[المنافقون: ٨]، والطبيعة البشرية السليمة ميالة إلى العز والشرف والكرامة، كثيرة النفور عن المذلة والدناءة والخسة.