1 - دليل العقل
  هذا، وقد أمر الله بالتفكر والنظر في آيات الله المبثوثة في الآفاق ليتوصلوا بذلك إلى الإيمان بالله والتصديق برسوله وكتابه، فقال جل شأنه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}[يونس: ١٠١]، وكم في القرآن من أمثال هذه الآية.
  وقال تعالى في وصف النبي ÷: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف: ١٥٧]، فيؤخذ من هذه الآية وما أشبهها في القرآن أن الرسول ÷ إنما يأمرهم بما تعرفه عقولهم وتأنس به، وتنجذب إليه، وأنه ينهاهم عما تنكره عقولهم، وتستوحش منه، وتنفر عنه، ولا تأنس به.
  وكذلك فإنه يحل لهم ما تستطيبه أنفسهم وتنجذب إليه وتستحسنه، ويحرم عليهم ما تستخبثه أنفسهم، وتأباه عقولهم وتستقبحه.
  والدليل على صحة ما ذكرنا من التفسير: هو ما تقرر في الإسلام أنه لا عبرة بميل الهوى والشهوة، ولا استحسانهما أو استقباحهما، ومن هنا يقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} الآية [الجاثية: ٢٣]، ويقول سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات]، لهذا فيكون المراد هو ما يعرفه العقل وما ينكره وما يستطيبه ويستخبثه.
توضيح أن العقل أقوى الأدلة
  توضيح ذلك أن العقل هو الطريق الوحيد إلى تصديق النبي ÷ فيما جاء به عن الله سبحانه وتعالى من الكتاب والسنة.
  وذلك أن الكفار الذين جاءهم الرسول ÷ كانوا غير مؤمنين بالنبي ÷ ولا بالكتاب ولا بالسنة وغير مقتنعين بذلك، فجاء الرسول ÷ من أجل ذلك بحجة أخرى هي المعجزة وهي دليل عقلي.
  ومن هنا قال قائل المشركين عندما سمعوا آيات القرآن: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، والله ما هو بكلام البشر. أو كما قال.