من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

طلاق العامي ثلاث تطليقات متتابعات

صفحة 462 - الجزء 1

  نعم، الظاهر من عوام المسلمين في بلادنا أنهم غير ملتزمين بالمذهب، بل هم مستندون إلى العلماء، فكل واحد نراه مستنداً فيما ينوبه من أمور الدين إلى واحد من العلماء أو أكثر ممن يعتقد فيه العلم والصلاح، سواءً أكان المقلَّد مجتهداً أم لا.

  هذا، وكلام أهل المذهب⁣(⁣١) أنه لا عبرة بالتزام العوام وأنه كلا التزام، وإنما المعتبر من الالتزام هو ما إذا صدر ممن يعرف شروط التقليد.

طلاق العامي ثلاث تطليقات متتابعات

  سؤال: عن طلاق العامي إذا طلق زوجته ثلاث تطليقات متتابعات من دون تخلل الرجعة معتقداً وقوع ذلك؟

  أجاب بعض العلماء: بأنه يجب أن يُستفسر العامي ويُسأل عمَّا قصده حال وقوع الطلاق، ويُفتى بما قصده، ويكون قصدُه كالمذهب له. انتهى.

  قلنا: صدر هذا الجواب من بعض العلماء بناءً على القاعدة المقررة أن ما فعله العامي معتقداً لصحته فهو صحيح، لذلك فقد جعلوا العامي الصرف كالمجتهد المطلق، ومذهبه مذهب من وافق؛ فمن هنا أجاب العلماء بما تقدم.

  والذي يظهر لي - والله أعلم - أن العامي يقر على ما اعتقد، ويحكم له بالصحة ما لم يسأل، فإذا سأل عن حكم ما فعله فلا يفتى بما يعتقد، بل يجب الإفتاء له بمذهب المفتي، وحينئذ فيجب على العامي العمل بالفتوى، والدليل على ما قلنا قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٧}⁣[الأنبياء].

  فإذا طلق العامي الصرف زوجته ثلاثاً معتقداً وقوع ذلك وصحته فلا يجوز له أن يتزوجها، ولا أن يراجعها، فإذا سأل وعرف أنه لا يقع إلا واحدة رجعية جاز له حينئذ أن يراجعها أو يتزوجها.

  وليس المراد - كما ظهر لي - أن العامي كالمجتهد المطلق في كل وجه، بل في حالة ما قبل السؤال، وأما بعد السؤال فيتعين عليه العمل بالفتوى، ولا يجوز له


(١) شرح الأزهار ١/ ١٩.