[في التحجيج عن الميت بغير وصية]
  وجب عليه الحج، ونحن نعلم أو نظن من حاله حرصَهُ على أداء الحج لتدينه ومحافظته على التقوى، وأنه لو تمكن من الوصية لأوصى بناءً على الظاهر، وله تركة في ثلثها ما يكفي للحج - فالواجب على الورثة أن يحججوا عنه.
  وإنما قلنا ذلك:
  ١ - لأن للميت المؤمن الذي فاجأه الموت ولَمّا يحج - حقاً في ماله الذي تركه، وهذا الحق هو قضاء ما عليه من حقوق لله تعالى أو لخلقه.
  فإن قيل: إن الحج من الواجبات التي تجب على المكلف في بدنه، وليس من الواجبات الثابتة عليه في ماله.
  قلنا: الأمر كذلك، إلا أن الوجوب ينتقل من البدن إلى المال عند تعذر الحج على البدن، والذي يموت فجأة ينكشف لنا بموته أن الوجوب قد انتقل إلى ماله حيث إن الله تعالى يعلم أن الحج قد تعذر على ذلك الرجل قبل موته، وحينئذ فيكون الوجوب قد تعلق بالمال قبل موت الرجل.
  ٢ - لم يظهر لنا الفرق بين الواجبات المالية فيما أصل الوجوب فيه بدني ثم انتقل إلى المال، وما أصل الوجوب فيه مالي من أول الأمر.
  ٣ - أنه قد ورد الأثر في هذا الباب وهو: أن دَيْن الله أحق بالقضاء.
  ٤ - يمكن أن يقال: إن الحج إذا وجب على المكلف ولم يحج انتقل الوجوب إلى ذمته؛ فلا يبرأ عند الله إلا بتأدية ما في ذمته، وتأدية ما في الذمة لا يكون إلا بأن يحج المكلف بنفسه أو بأن يحج عنه غيره.
[في التحجيج عن الميت بغير وصية]
  روى النسائي بسنده عن ابن عباس: أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي ÷ فسأله عن ذلك فقال: «أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء».
  وروى النسائي أيضاً أن امرأة سألت النبي ÷ أن تحج عن أمها فكان الجواب مثل ذلك.