من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الوعد والوعيد

صفحة 156 - الجزء 3

زيادة إيضاح

  ١ - بعد معرفتنا لعدل الله وحكمته وعلمه وغناه - نعلم أن الله تعالى لم يخلق الإنسان ليفسد في الأرض ويسفك الدماء، ويظلم الناس، وينتهك الأعراض، وينتهب الأموال، حتى إذا بلغ منتهى عمره يتوفاه الله.

  ٢ - ولم يخلق المظلوم لهتك عرضه، ونهب ماله، وجلد ظهره وبطنه، وقتل أهله وأولاده، ثم إزهاق روحه تحت أقدام الظالمين؛ فإن العقل يجزم بأنه لا تظهر حكمة في خلق الظالم والمظلوم إذا كان الموت هو النهاية، بل إن خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكون حينئذ عبثاً وباطلاً، ولعباً وظلماً قبيحاً، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

  وقد أدرك ذوو العقول الزاكية في الجاهلية حتمية البعث بعد الموت للجزاء والحساب من قبل أن تبلغهم دعوة الرسل À فروى نقلة الأخبار ذلك عن الزبير بن عبدالمطلب، وعن قس بن ساعدة الأيادي وغيرهما.

  ثم جاءت رسل الله À بتأكيد البعث والجزاء والحساب، وتهويل أمره، والتخويف منه، والإنذار بقدومه، والتوصية للناس بالاستعداد له، واتقاء مخاوفه، وقد كثر في كتاب الله الكريم ذكر ذلك، ولا سيما في السور المكية.

  وما ذكر في القرآن في هذا الباب جاء إلى العقل، وصدم الفكر من ثلاث طرق:

  الطريق الأولى: بيان قدرة الله على إحياء الموتى؛ لأن المشركين استبعدوا إحياء الموتى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا ...} الآيات [يس]، وقد نوع الله الحجج والآيات في هذا المجال.

  الطريق الثانية: ضرورة البعث والحساب، ضرورة تقضي بها الحكمة والعدل، وتنزيه الله تعالى وتقديسه عن ترك ذلك لما فيه من اللعب والإخلال