باب النذر
[صريح النذر والطلاق والعتق لا يفتقر إلى النية]
  صريح النذر وصريح الطلاق وصريح العتق لا تفتقر إلى النية، وكناية شيء من ذلك يحتاج إلى النية وقصد المعنى. هذا هو المذهب.
  قلت: لا يصدق مدعي من جاء بصريح شيء مما ذكرنا أنه لم يرد الطلاق أو النذر أو العتق، ويجب الحكم عليه، ولا يلتفت إلى دعواه.
  فإن قيل: كيف ذلك وقد صحّ من المشهور في الحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، «لا عمل إلا بنية»؟
  قلت: لأن الظاهر من حال كل عاقل أنه لا يتكلم إلا بما يريد، وأحكام الشريعة تجري على الظواهر؛ لذلك جاء عن النبي ÷: «إنما نحكم بالظاهر»، وحينئذٍ فلا التفات إلى دعوى خلاف الظاهر.
  وهناك حالة لما ذكرنا تعتبر فيها النية، وهي فيما كان من ذلك ولم يكن هناك منازع؛ فما حصل من ذلك بغير قصد ونية فإنه لا يقع ولا عبرة به، وهذا فيما بين الإنسان وربه.
  والسرّ في ذلك أن الله مطلع على الضمائر، ولا تخفى عليه السرائر، ودليل عدم وقوع ذلك: حديث «إنما الأعمال بالنيات»، «لا عمل إلا بنية»، فإذا ادعى العامي أنه ما قصد إلى الطلاق ولا نواه، ولم تنازعه زوجته، بل صادقته وأقرته - تُرِك وشأنه، ولم يعترض سبيله، فإن نازعته الزوجة ورافعته إلى الحاكم حكم بينهما بصحة الطلاق.
  وإذا استفتى العامي الذي يطلق زوجته من غير نية إلى الطلاق ولا قصد، وإنما قصده أن يفزعها، ثم استفتى في حكم ذلك فيفتى على حسب نيّته، وهي أنه لا يقع طلاقه.
  وهكذا حكم الطلاق الواقع في اليمين المركبة: يقع ما نواه ولا يقع ما لم ينوه، وهذا فيما بين المرء وربه، فإذا نازعته الزوجة ورافعته إلى الحاكم حكم بالطلاق