كتاب التوحيد
  ومع هذا فكل عاقل راض عن عقله، ويرى فيه الكمال، ولا يكاد أحد من العقلاء يتهم عقله بالنقص، بل إنك ستجد الأقل عقلاً يتهم الأكبر منه عقلاً بالغباء، ولا يقبل في عقله أي قول.
  ويشترك العقلاء جميعاً في أن كل عاقل معه من العقل ما يتوصل به إلى الإيمان ومهمات شرائع الإسلام.
  وهناك أحكام اعتقادية متفاوتة في الغموض والخفاء، والعقلاء مكلفون بمعرفتها واعتقادها على قدر عقولهم؛ فمن استطاع بعقله معرفتها أو معرفة بعضها فهو مكلف بما عرف، ومن لم يستطع معرفتها بعقله فليس مكلفاً إلا بما استطاع معرفته: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦].
[عرض الله عباده على الخير وتضييعهم لهذا العرض]
  
  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، وبعد:
  فمن الغريب الذي يستفرغ عنده العجب ما عنده من التعجب أن بضاعة الله وسلعته المعروضة في الدنيا أبخس البضائع والسلع، في حين أن أرباحها أعظم الأرباح على الإطلاق، حيث يربح المشتري عشرة أضعاف الثمن، أو سبعين ضعفاً، وقد تبلغ الأرباح إلى سبعمائة ضعف، وفي بعض المواسم قد تتضاعف الأرباح إلى ثمانين ألف ضعف، مع العلم أن هذه الأرباح تبقى للرابحين ولا تنقطع، يتمتعون بها أبد الآبدين في دار النعيم.
  في حين أن أسواق الشياطين في رواج ونفاق وازدحام، مع أن أرباحها محدودة، بل لا وزن لها ولا قيمة بالنسبة للخسارة المترتبة عليها.
  - ما هو السبب في إعراض العباد عما عرضه لهم ربهم من الخير المتضاعف، والسعادة في الدنيا والآخرة؟