من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الزكاة

صفحة 212 - الجزء 1

كتاب الزكاة

  سؤال: استفتى رجل يظهر عليه سيماء التقوى والصلاح فقال: إنه أمين قوم تجبى إليه الزكاة للدولة، فإن تخلى عن هذه الوظيفة فسيحل محله من يأخذ الناس بأضعاف ما يأخذه هو، وإن لم يتخل لم يلحق الناس إلا الشيء اليسير؛ فأي الأمرين أولى في الدين، وأسلم عند رب العالمين؟

  الجواب والله الموفق: أن دفع الشر الكثير بالشر اليسير جائز في فطر ذوي العقول، وقد هم النبي ÷ أن يعرض على أهل غزوة الأحزاب وهم مشركون ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا عن غزوتهم.

  وفي كلام للإمام الهادي # ما معناه: إنه يجوز أن يأخذ الإمام من الرعية عند الحاجة ما يدفع به العدو عن بلاد المسلمين ولو كرهاً.

  فإذا كان الأمر كما ذكره السائل فإنه يجوز له البقاء، بل هو الأولى.

  وقد يدل على ذلك قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}⁣[آل عمران ٢٨]، وما ذكره السائل هو من التقية مع النية الصالحة.

  نعم، ما ذكرنا خاص فتخصص به الأدلة العامة في المنع من معاونة القاسطين والكافرين.

  وقد ذكر بعض العلماء: أنه يجوز دفع الرشوة من أجل استخراج حق قطعي، وإن كان لا يجوز للآخذ الأخذ، وذكروا أنه يجوز معاونة الأقل ظلماً على الأكثر ظلماً.

  وكل ما ذكرنا يدل على أنه يجوز دفع الشر الكثير بالشر القليل، وذلك مركوز في فطرة العقل كما ذكرنا.

  ومن المؤيدات لهذه القاعدة الفطرية ما علم من جواز الفصد، وقطع اليد المستأكلة، وكذلك الكي بالنار. وتسميتنا للشر القليل بـ «الشر» إنما هو مجاز مرسل من تسميته باسم ما كان عليه، وإلا فليس بشر في هذه الحال إنما هو خير خالص.