من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فائدة (قضاء الصوم والصلاة)

صفحة 273 - الجزء 1

  في الصيام الأول: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}⁣[البقرة ١٨٧].

  وإنما قلنا إنه لم ينزل منزلة التجري والتعمد لأنه لم يكن له في الإفطار نية ولا عزم، بل نيته الصيام والامتثال لأمر الله والطاعة، فلم يسوّ في الحكم بينه وبين الذي نوى الإفطار من غير مبالاة بطاعة الله، وليس له نية ولا التفات إلى الصيام.

  وهذا الأخير هو الذي عنينا بأنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه قد صار كافراً.

  نعم، المؤمن لا تصدر منه المعاصي إلا عن طريق الخطأ والنسيان، ومن هنا قال الله تعالى وهو يصف إيمان المؤمنين الأولين: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ...} الآية، إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ...}⁣[البقرة ٢٨٥]، إلى قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ...} الآية [البقرة ٢٨٦].

  غير أن المؤمن قد تطغى عليه الشهوة فيوقعه الشيطان في المعصية، من غير أن يكون له نية في المعصية، ولا عزم سابق على فعلها، فيندم ويتوب بعد مواقعته للمعصية، وهذا ونحوه هم المرادون في قوله تعالى: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ...} إلى قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٣٥}⁣[آل عمران].

  وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠١}⁣[الأعراف].

  فالمؤمن إذا أساء تاب واستغفر، وندم على ما فرط، ولم يصر على ما فعل، أما الذي يتعمَّد فعل المعاصي ولا يتوب منها ولا يستغفر، بل يصر غير مبال بعصيان الله تعالى، ولا ملتفت إلى نواهيه - فهذا يلزمه الكفر؛ لتهاونه بأوامر الله ونواهيه، واستخفافه بطاعته، وهذا ونحوه هو المراد بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ...} الآية [الجاثية ٢٣].