مبحث في النية
  الجواب والله الموفق: هنا قد تعارض على المرأة واجبان لا يمكنها الجمع بينهما، والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه يجوز لها أن تحج ولو بقي عليها شيء من العدة؛ وذلك لأمور:
  ١ - أن فريضة الحج ركن من أركان الإسلام، وفريضة العدة ليست كذلك.
  ٢ - فريضة الحج حق لله تعالى، وفريضة العدة حق لآدمي، وحق الله أولى بالإيثار والتقديم؛ بدليل: «فدَين الله أحق أن يقضى».
  ٣ - لا خلاف في وجوب الحج عند وجود أسباب وجوبه، فهو فريضة قطعية، بخلاف وجوب لبث المعتدة في مكان مخصوص فهو حكم ظني.
  ٤ - قد روي أن أمير المؤمنين # حج بإحدى بناته في حال عدة وفاة زوجها.
  ٥ - قد أجاز أهل المذهب: أن تخرج المعتدة لحاجتها، مما يدل على أن عروض الحاجة عذر لخروجها، ولا عذر أعظم من قضاء ركن من أركان الإسلام.
  فإن قيل: وقت الحج موسع فوقته العمر، فلا يتضيق الحج في تلك السنة، بخلاف العدة.
  قلنا: القول بأن الواجبات على الفور± هو الراجح، ولا سيما في الحج؛ لطول المدة فيما بين أوقاته بحيث يستبعد أن يظن المؤخر للحج أنه سيعيش حتى السنة المقبلة أو السنين المقبلة، ولا سيما لمن كان قد طعن في السن كما جاء في السؤال.
  ومما يدل على الفور في الحج حديث: «حجوا قبل ألا تحجوا» ونحوه، وقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران ١٣٣]، وما في تأخيره من التعرض للوعيد والهلاك الوارد في حديث: «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً» وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٩٧)}[آل عمران].
  ولا شك أن من استطاع الحج ثم لم يحج ومات - أنه معرض للوعيد والهلاك إلا أن يلقى الله بعذر بيِّن.